فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{قال نُوحٌ ربِّ إِنّهُمْ عصوْنِي واتّبعُوا منْ لمْ يزِدْهُ مالُهُ وولدُهُ إِلّا خسارا (21)}
هذه الجملة بدل من جملة {قال رب إني دعوت قومي} [نوح: 5] بدل اشتمال لأن حكاية عصيان قومه إياه مما اشتملت عليه حكاية أنه دعاهم فيحتمل أن تكون المقالتان في وقت واحد جاء فيه نوح إلى مناجاة ربه بالجواب عن أمره له بقوله: {أنْذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم} [نوح: 1] فتكون إعادة فعل {قال} من قبيل ذكر عامل المبدل منه في البدل كقوله تعالى: {تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا} [المائدة: 114]، للربط بين كلاميه لطول الفصل بينهما.
ويحتمل أن تكون المقالتان في وقتين جمعها القرآن حكاية لجوابيه لربه، فتكون إعادة فعل {قال} لما ذكرنا مع الإِشارة إلى تباعد ما بين القولين.
ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لأن ما سبقها من قوله: {قال رب إني دعوت قومي} إلى هنا مما يثير عجبا من حال قومه المحكي بحيث يتساءل السامع عن آخر أمرهم، فابتدئ ذكر ذلك بهذه الجملة وما بعدها إلى قوله: {أنصارا} [نوح: 25].
وتأخير هذا بعد عن قوله: {قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا} [نوح: 5] ارتقاء في التذمر منهم لأن هذا حكاية حصول عصيانهم بعد تقديم الموعظة إليهم بقوله: {يرسل السماء عليكم مدرارا} إلى قوله: {سُبُلا فجاجا} [نوح: 1120]
وإظهار اسم {نوح} مع القول الثاني دون إضمارٍ لبعد معاد الضمير لو تحمّله الفعل، وهذا الخبر مستعمل في لازم معناه، كما تقدم في قوله: {قال رب} إلخ.
وتأكيد الخبر بـ (إن) للاهتمام بما استعمل فيه من التحسر والاستنصار.
ثم ذكر أنهم أخذوا بقول الذين يصدونهم عن قبول دعوة نوح، أي اتبعوا سادتهم وقادتهم.
وعدل عن التعبير عنهم بالكبراء ونحوه إلى الموصول لما تؤذن به الصلة من بطرهم نعمة الله عليهم بالأموال والأولاد، فقلبوا النعمة عندهم موجب خسار وضلال.
وأدمج في الصلة أنهم أهل أموال وأولاد إيماء إلى أن ذلك سبب نفاذ قولهم في قومهم وائتمار القوم بأمرهم: فأموالهم إذ أنفقوها لتأليف أتباعهم قال تعالى: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل الله} [الأنفال: 36]، وأولادُهم أرهبوا بهم من يقاومهم.
والمعنى: واتبعوا أهل الأموال والأولاد التي لم تزدهم تلك الأموال والأولاد إلاّ خسارا لأنهم استعملوها في تأييد الكفر والفساد فزادتهم خسارا إذ لو لم تكن لهم أموال ولا أولاد لكانوا أقل ارتكابا للفساد قال تعالى: {وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا} [المزمل: 11].
والخسار: مستعار لحصول الشر من وسائل شأنُها أن تكون سبب خير كخسارة التاجر من حيث أراد الربح، فإذا كان هؤلاء خاسرين فالذين يتبعونهم يكونون مثلهم في الخسارة وهم يحسبون أنهم أرشدوهم إلى النجاح.
وما صْدق {منْ} فريقٌ من القوم أهل مال وأولاد ازدادوا بذلك بطرا دون الشكر وهم سادتهم، ولذلك أعيد عليه ضمير الجمع في قوله: {ومكروا} وقوله: {وقالوا} وقوله: {وقد أضلُّوا كثيرا} [نوح: 24].
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وأبو جعفر {وولده} بفتح الواو وفتح اللام، وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف {ووُلْدُه} بضم الواو وسكون اللام، فأما الولد بفتح الواو وفتح اللام فاسم يطلق على الواحد من الأولاد وعلى الجمع فيكون اسم جنس، وأما وُلْد بضم فسكون فقيل: هو لغة في ولد فيستوي فيه الواحد والجمع مثل الفُلْك.
وقيل: هو جمع ولد مثل أُسُد جمع أسد.
والمكر: إخفاء العمل، أو الرأي الذي يراد به ضر الغير، أي مكروا بنوح والذين آمنوا معه بإضمار الكيد لهم حتى يقعوا في الضر.
قيل: كانوا يدبِّرون الحيلة على قتل نوح وتحْريش الناس على أذاه وأذى أتْباعه.
و{كُبّارا}: مبالغة، أي كبيرا جدا وهو وارد بهذه الصِّيغة في ألفاظ قليلة مثل طُوّال أي طويل جدا، وعُجّاب، أي عجيب، وحُسّان، وجُمّال، أي جميل، وقراء لكثير القراءة، ووُضّاء، أي وضِيء، قال عيسى بن عمر: هي لغة يمانية.
{وقالوا لا تذرُنّ آلهتكم ولا تذرنّ وُدا ولا سواعا} الخ، أي قال بعضهم لبعض: ودّ، وسُوّاع، ويغُوث، ويعُوق، ونسْر، هذه أصنام قوم نوح، وبهذا تعْلم أن أسماءها غيرُ جارية على اشتقاق الكلمات العربية، وفي واو (وُدّ) لغتان للعرب منهم من يضم الواو، وبه قرأ نافع وأبو جعفر.
ومنهم من يفتح الواو وكذلك قرأ الباقون.
روى البخاري عن ابن عباس: (ودُّ وسُواع ويغوث ويعُوق ونسْرٌ: أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم انصِبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسمُّوها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عُبدت)، وعن محمد بن كعب: هي أسماء أبناء خمسة لآدم عليه السلام وكانوا عُبّادا.
وعن الماوردي أن {ودّا} أول صنم معبود.
والآية تقتضي أن هذه الأنصاب عُبدت قبل الطوفان وقد قال بعض المفسرين: إن هذه الأصنام أقيمت لبعض الصلحاء من أولاد آدم.
وقال بعضهم: كانوا أصناما بين زمن آدم وزمن نوح.
ولا يلتئم هذا مع حدوث الطوفان إذ لابد أن يكون جرفها وخلص البشرُ من الإِشراك بعد الطوفان، ومع وجود هذه الأسماء في قبائل العرب إلى زمن البعثة المحمدية، فقد كان في دومة الجندل بلاد كلب صنم اسمه (وُدّ).
قيل كان على صورة رجل وكان من صُفر ورصاص وكان على صورة امرأة، وكان لهذيل صنم اسمه (سواع) وكان لمُراد وغُطيففٍ (بغين معجمة وطاء مهملة) بطنٍ من مراد بالجوف عند سبأ صنم اسمه {يغوث}، وكان أيضا لغطفان وأخذته (أنعمُ وأعلى) وهما من طيء وأهلُ جرش من مذحج فذهبوا به إلى مُراد فعبدوه، ثم إن بني ناجية راموا نزعه من أعلى وأنعُم ففروا به إلى الحُصين أخي بني الحارث من خزاعة.
قال أبو عثمان النهدي: رأيت يغوث من رصاص وكانوا يحملونه على جمل أحْرد (بالحاء المهملة، أي يخبط بيديه إذا مشى) ويسيرون معه ولا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك فإذا برك نزلوا وقالوا: قد رضي لكم المنزل فيضربون عليه بناء ينزلون حوله.
وكان يغوث على صورة أسد.
وكان لهْمدان صنم اسمه {يعوق} وهو على صورة فرس، وكان لكهلان من سبأ ثم توارثه بنوه حتى صار إلى همدان.
وكان لِحمير ولذي الكلاع منهم صنم اسمه (نسْر) على صورة النسر من الطير.
وهذا مروي في (صحيح البخاري) عن ابن عباس.
وقال: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح إلى العرب.اهـ.
فيجوز أن تكون انتقلت بأعيانها ويجوز أن يكون العرب سموا عليها ووضعوا لها صورا.
ولقد اضطرّ هذا بعض المفسرين إلى تأويل نظم الآية بأن معاد ضمير {قالوا} إلى مشركي العرب، وأن ذكر ذلك في أثناء قصة نوح بقصد التنظير، أي قال العرب بعضهم لبعض: لا تذرنّ ءالهتكم وُدّا وسُواعا ويغوث ويعوق ونسرا كما قال قوم نوح لأتباعهم {لا تذرُنّ ءالهتكم} ثم عاد بالذكر بعد ذلك إلى قوم نوح، وهو تكلف بيّن وتفكيك لأجزاء نظم الكلام.
فالأحسن ما رآه بعض المفسرين وما نريده بيانا: أن أصنام قوم نوح قد دثرت وغمرها الطوفان وأن أسماءها بقيت محفوظة عند الذين نجوا مع نوح من المؤمنين فكانوا يذكرونها ويعظون ناشئتهم بما حلّ بأسلافهم من جراء عبادة تلك الأصنام، فبقيت تلك الأسماء يتحدث بها العرب الأقدمون في أثارات علمهم وأخبارهم، فجاء عمرو بن لُحيّ الخزاعي الذي أعاد للعرب عبادة الأصنام فسمى لهم الأصنام بتلك الأسماء وغيرها فلا حاجة بالمفسر إلى التطوح إلى صفات الأصنام التي كانت لها هذه الأسماء عند العرب ولا إلى ذكر تعيين القبائل التي عبدت مسميات هذه الأسماء.
ثم يحتمل أن يكون لقوم نوح أصنام كثيرة جمعها قول كبرائهم: {لا تذرُنّ آلهتكم}، ثم خصوا بالذكر أعظمها وهي هذه الخمسة، فيكون ذكرها من عطف الخاص على العام للاهتمام به كقوله تعالى: {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل} [البقرة: 98].
ويحتمل أن لا يكون لهم غير تلك الأصنام الخمسة فيكون ذكرها مفصلة بعد الإِجمال للاهتمام بها ويكون العطف من قبيل عطف المرادف.
ولقصد التوكيد أعيد فعل النهي {ولا تذرُن} ولم يسلك طريق الإِبدال، والتوكيدُ اللفظي قد يقرن بالعاطف كقوله تعالى: {وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين} [الانفطار: 17، 18].
ونقل عن الألوسي في طرة تفسيره لهذه الآية هذه الفقرة: قد أخرج الإِفرنج في حدود الألف والمائتين والستين أصناما وتماثيل من أرض الموصل كانت منذ نحو من ثلاثة آلاف سنة.
وتكرير {لا} النافية في قوله: {ولا سواعا ولا يغوث} لتأكيد النفي الذي في قوله: {لا تذرُن آلهتكم} وعدم إعادة {لا} مع قوله: {ويعوق ونسرا} لأن الاستعمال جارٍ على أن لا يزاد في التأكيد على ثلاث مرات.
وقرأ نافع وأبو جعفر {وُدّا} بضم الواو.
وقرأها غيرهما بفتح الواو، وهو اسم عجمي يتصرف فيه لسان العرب كيف شاؤا.
{وقدْ أضلُّوا كثِيرا ولا تزِدِ الظّالِمِين إِلّا ضلالا (24)}
عطف على {وقالوا لا تذرن ءالهتكم} [نوح: 23]، أي أضلوا بقولهم هذا وبغيره من تقاليد الشرك كثيرا من الأمة بحيث ما آمن مع نوح إلاّ قليل.
{كثِيرا ولا تزِدِ الظالمين إِلاّ}.
يجوز أن تكون هذه الجملة تتمة كلام نوح متصلة بحكاية كلامه السابق، فتكون الواو عاطفة جزء جملة مقولةٍ لفعل {قال} [نوح: 21] على جزئها الذي قبلها عطف المفاعيل بعضِها على بعض كما تقول قال امرؤ القيس:
قفا نبْك

ختم نوح شكواه إلى الله بالدعاء على الضالّين المتحدث عنهم بأن يزيدهم الله ضلالا.
ولا يريبك عطف الإِنشاء على الخبر لأن منع عطف الإِنشاء على الخبر على الإِطلاق غير وجيه والقرآن طافح به.
ويجوز أن تكون جملة {ولا تزد الظالمين إلاّ ضلالا} غير متصلة بحكاية كلامه في قوله: {قال نوح رب إنهم عصوني} [نوح: 21] بل هو حكاية كلام آخر له صدر في موقف آخر، فتكون الواو عاطفة جملة مقولة قول على جملة مقولة قول آخر، أي نائبةٍ عن فعل قال كما تقول: قال امرؤ القيس:
قِفا نبْكِ

و:
ألا عمْ صباحا أيها الطلل البالي

وقد نحا هذا المعنى من يأبون عطف الإِنشاء على الخبر.
والمراد بـ {الظالمين}: قومه الذين عصوه فكان مقتضى الظاهر التعبير عنهم بالضمير عائدا على {قومي} من قوله: {دعوتُ قومي ليلا ونهارا} [نوح: 5] فعدل عن الإِضمار إلى الإِظهار على خلاف مقتضى الظاهر لما يؤذن به وصف {الظالمين} من استحقاقهم الحرمان من عناية الله بهم لظلمهم، أي إشراكهم بالله، فالظلم هنا الشرك {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13].
والضلال، مستعار لعدم الاهتداء إلى طرائق المكر الذي خشي نوح غائلته في قوله: {ومكروا مكرا كُبارا} [نوح: 22]، أي حُلْ بيننا وبين مكرهم ولا تزدهم إمهالا في طغيانهم علينا إلاّ أن تضللهم عن وسائله، فيكون الاستثناء من تأكيد الشيء بما يشبه ضده، أو أراد إبهام طرق النفع عليهم حتى تنكسر شوكتهم وتلين شكيمتهم نظير قول موسى عليه السلام {ربّنا اطمِسْ على أموالهم واشْدُد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم} [يونس: 88].
وليس المراد بالضلال الضلال عن طريق الحق والتوحيد لظهور أنه ينافي دعوة نوح قومه إلى الاستغفار والإِيمان بالبعث فكيف يسأل الله أن يزيدهم منه.
ويجوز أن يكون الضلال أطلق على العذاب المسبب عن الضلال، أي في عذاب يوم القيامة وهو عذاب الإِهانة والآلام.
ويجوز أن تكون جملة معترضة وهي من كلام الله تعالى لنوح فتكون الواو اعتراضية ويقدر قول محذوف: وقلنا لا تزد الظالمين.
والمعنى: ولا تزد في دعائهم فإن ذلك لا يزيدهم إلاّ ضلالا، فالزيادة منه تزيدهم كفرا وعنادا.
وبهذا يبقى الضلال مستعملا في معناه المشهور في اصطلاح القرآن، فصيغة النهي مستعملة في التأييس من نفع دعوته إياهم.
وأعلم الله نوحا أنه مهلكهم بقوله: {أُغْرقوا فأُدْخلوا نارا} الآية [نوح: 25] وهذا في معنى قوله: {وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد ءامن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون} [هود: 36، 37].
ألا ترى أن ختام كلتا الآيتين متحد المعنى من قوله هنا {أغرقوا} وقوله في الآية الأخرى {إنهم مغرقون}.
{مِمّا خطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فأُدْخِلُوا نارا فلمْ يجِدُوا لهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أنْصارا (25)}
جملة معترضة بين مقالات نوح عليه السلام وليست من حكاية قول نوح فهي إخبار من الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأنه قدر النصر لنوح والعقاب لمن عصوْه من قومه قبل أن يسأله نوح استئصالهم فإغراق قوم نوح معلوم للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما قصد إعلامه بسببه.
والغرض من الاعتراض بها التعجيل بتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يلاقيه من قومه مما يماثل ما لاقاه نوح من قومه على نحو قوله تعالى: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون} [إبراهيم: 42].
ويجوز أن تكون متصلة بجملة {ولا تزد الظالمين إلاّ ضلالا} [نوح: 24] على الوجه الثاني المتقدم فيها من أن تكون من كلام الله تعالى الموجه إلى نوح بتقدير: وقلنا لا تزد الظالمين إلاّ ضلالا، وتكون صيغة المضي في قوله: {أغرقوا} مستعملة في تحقق الوعد لنوح بإغراقهم، وكذلك قوله: {فأُدخلوا نارا}.
وقُدم {مما خطيئاتهم} على عامله لإِفادة القصر، أي أغرقوا فأدخلوا نارا من أجل مجموع خطيئاتهم لا لمجرد استجابة دعوة نوح التي ستذكر عقب هذا ليعلم أن الله لا يُقر عباده على الشرك بعد أن يرسل إليهم رسولا وإنما تأخر عذابهم إلى ما بعد دعوة نوح لإِظهار كرامته عند ربه بين قومه ومسرة له وللمؤمنين معه وتعجيلا لما يجوز تأخيره.
و(مِن) تعليلية، و(ما) مؤكدة لمعنى التعليل.
وجمع الخطيئات مراد بها الإشراك، وتكذيب الرسول، وأذاه، وأذى المؤمنين معه، والسخرية منه حين توعدهم بالطوفان، وما ينطوي عليه ذلك كله من الجرائم والفواحش.
وقرأ الجمهور {خطيئاتهم} بصيغة جمع خطيئة بالهمز.
وقرأه أبو عمرو وحده {خطاياهم} جمع خطيّة بالياء المشددة مدغمة فيها الياء المنقلبة عن همزةٍ للتخفيف.
وفي قوله: {أغرقوا فأدخلوا نارا} محسن الطباق لأن بين النار والغرق المشعر بالماء تضادا.
وتفريع {فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا} تعريض بالمشركين من العرب الذين كانوا يزعمون أن الأصنام تشفع لهم وتدفع عنهم الكوارث يعني في الدنيا لأنهم لا يؤمنون بالبعث، أي كما لم تنصر الأصنام عبدتها من قوم نوح كذلك لا تنصركم أصنامكم.
وضمير {يجدوا} عائد إلى {الظالمين} من قوله: {ولا تزد الظالمين إلاّ ضلالا} [نوح: 24] وكذلك ضمير {لهم}.
والمعنى: فلم يجدوا لأنفسهم أنصارا دون عذاب الله. اهـ.